هل يمكن لثورتنا المرجوة أن تكون ثورة “رعاع؟” أو، هل يمكن لنا أن نستفيد من وقوع ثورة “رعاع” عن طريق توجيهها نحو الأهداف المرجوّة؟
في الواقع لا يمكن لأي تحرّك للرعاع أن يؤدي إلاّ إلى الاضطرابات والفوضى، وسواء كان هذا الأمر محتوماً أم لا، من الواضح أن الوعي الذي نسعى لخلقه لا يمكن أن ينتشر على نطاق واسع في جو من الفوضى، فثورتنا بالدرجة الأولى ثورة معرفة ووعي مدني ومواطنة، وعلينا أن ندفع بعجلتها إلى الأمام في وجه كل تحرّك للأنظمة وللـ”رعاع” وللقوى الخارجية مهما بدى هذا الأمر صعباً أو مستحيلاً. قد يكون للفوضى قسط كبير من مستقبلنا القريب، لكن ثورتنا تحتاج إلى التنظيم لا لتوجيه الفوضى القادمة لكن لاحتواء نتائجها الأسوأ وللتخفيف من وقعها على البنى الاجتماعية من حولنا ولقلب الأمور في أقرب فرصة.
وهناك فرصة بالطبع أن نتمكّن في بعض الحالات من قطع الطريق على الفوضى من خلال تحرّك منظّم وسريع من قبلنا، فهل نحن مستعدّون؟
حوار
قال: بدا لي مصطلح “الرعاع” فوقياً بعض الشيء، لذا، ربما كان من الأفضل أن نوضح أنا نستخدم المصطلح هنا بشكل موضوعي، وأن موضوع الرعاع يطال، بشكل أو آخر، كل طبقات المجتمع نتيجة انتشار الثقافة الاستهلاكية. وربما كان بوسعنا أن نقول: كلنا رعاع، وكلنا مسؤول عن رعونته أو رعويته. على كل حال، يبدو من الواضح أنه سيكون للرعاع دورهم الهام في ثورتنا المرجوة، ويبدو من الواضح أيضاً أن مكافحة ثقافة “الترعيع” لن تصبح ممكنة إلاّ من خلال الانخراط في العمل الثوري، على الطريقة الياسمينية بالطبع، مسلّحين بالإيمان بأن هذا الأمر ممكن وضروري.
قلت: الأنظمة الدائمة الانشغال بالألعاب السياسية الكبرى، والتي لا تتعامل مع الشؤون اليومية إلاّ من منطلق أمني بحت، والتي تعرف أنها قد نجحت في تحويل القسم الأكبر من شعوبها إلى رعاع قابلين للتجييش وللفرز على أسس إثنية وإيديولوجية، فهي بالتالي ترزح تحت نير الاعتقاد بأنها قد أمنت شرّ الشارع والرأي العام، هي بالذات الأنظمة التي باتت على وشك السقوط. لذا، علينا أن نعمل جاهدين لاحتواء الأزمات المترتبة على سقوطها والذي سيفاجأ الكثيرين من الذي لا يتنبّهون إلى ما يجري تحت سطح الأمور. قد لا نستطيع تحاشي الفوضى، ولكن، ربما كان بوسعنا توجيهها، بل علينا أن نسعى لتوجيهها ونخطّط لذلك، باتت الخيارات في هذا الصدد قليلة، وربما دخلنا إلى حد ما في حيّز المحتوم. لا يمكن لنا أن نأمل كثيراً في قلب الأمور بعد أن وصلت إلى هذا الحد من التأزم. ولكن، وفي حال أصررنا على المحاولة، فعلينا ألاّ نستثمر كل ما لدينا في هذه المحاولة وأن نوفّر جزءاً كبيراً من جهودنا أيضاً لعملية احتواء الأزمة. هذا زمن العمل بالتوازي على مناحي عدة. لأن مقاربتنا في خاتم المطاف تجريبية الطابع، فنحن لا نعمل من منطلق اليقينات المطلقة، بل من منطلق الرغبة في التجريب بناءاً على استقراء معين لمجريات الأمور.
قال: نحتاج إلى تشكيل طبقة متكاملة متعاونة ومنظمة، تستطيع ملء الفراغ السياسي الناجم عن الفوضى، وبالتالي تستطيع احتواء الأزمات وإدارة البلاد. وهذا بتطلب مرة أخرى جهودا مضاعفة في مسألة الاتصالات بين ما تبقى من قوى المواطنة والأفراد المتفهمين للواقع الحالي.
قلت: أن تشكيل هذه الطبقة المنظمّة هو الهمّ الأساسي بالفعل في هذه المرحلة الحرجة، وعلينا أن نحشد لهذه المهمة ما استطعنا من قدرات وموارد. نحن مقبلون على مرحلة صعبة من تاريخنا، وعلينا أن نكون مستعدين.
قال: المشكلة تكمن في غياب خطة واضحة للعمل والتنظيم، وصعوبة خلق روابط الثقة في ظل غياب وسائل الاتصال المناسبة، عدا عن بطء العمل كما أعتقد مقارنة بسرعة التغيرات الحاصلة. ما أريد قوله: في سبيل تكوين طبقة نخبة جديدة يجب تكثيف الجهود والاتصالات، وإيجاد خطط العمل المناسبة التي تركّز على فكرة بناء وطن جديد يتسع للجميع وفق قوانين اقتصادية واجتماعية حديثة، وإيجاد الطرق المناسبة لعرض هذه الخطط على أكبر شريحة ممكنة من المثقفين والقوى المنتجة وحتى القوى الشعبية في الداخل والخارج بأساليب عصرية تحترم جميع الآراء وتأخذ بها وتترك الباب مفتوحاً للنقاش وإمكانية التطوير. فإذا ما تحقق ذلك يمكن إنتاج فوضى شبيهة بالتيار القوي الناجم عن ذوبان ثلوج الجبال بعد سنوات من الجفاف والذي يسير في مجرى النهر الواضح، وحتى لو تعداه قليلا فإن أهم ما يقوم به هو جرف جميع الأوساخ التي تراكمت عبر سني القحط، ليجدد الحياة ويعيد الأمور إلى طبيعتها.