التقدم والثورة

31 كانون الثاني، 2007 / مدونة “أقوال وأفكار”

لا يمكنك أن تؤسّس لديموقراطية من خلال القيام بثورة، بل يجب عليك أن تحظى بالديموقراطية لتقوم بثورة. ج. ك. تشسترتون (1874-1936، شاعر وروائي وناقد إنكليزي من أصل جابوني) 

لم تنجح الثورات أبداً في تخفيف عبء الظلم، بل اكتفت في زحزحته من كتف إلى آخر. جورج برنارد شو (1856-1950، ناقد أدبي أيرلندي) 

عندما تكون الديكتاتورية واقعاً، تصبح الثورة حقاً. فيكتور هوجو (1802-1885، شاعر وروائي فرنسي) 

في الثورة هناك نوعان من الرجال فقط: أولئك الذين يسبّبونها، وأولئك الذين يتكسّبون منها. نابوليون بونابارت (1769-1821، جنرال وإمبراطور فرنسي) 

هناك قوتان اثنتان تشكلان العدو الأسوأ للحرية المدنية: الملكية المطلقة والثورة. جون آكتون (1834-1902، مؤرّخ بريطاني) 

اجعلوا من الثورة أماً للتسوية وليس حاضنة لثورات مستقبلية. إدموند بورك (1729-1797، فيلسوف وسياسي بريطاني)

حوار

ابن رشد: انقسمت آراء المفكّرين عبر التاريخ فيما يتعلّق بموضوع الثورة، فمنهم من دافع عن النهج الثوري بكل عنفوان من منطلق الإيمان المطلق بحتميته وضرورته للتقدم الإنساني، خاصة في مواجهة الظلم والفساد، ومنهم من عارضه بكل قواه، مندّداً بوسائله، مشكّكاً بنوايا قادته، ومقلّلاً من قدرته على تحقيق الأهداف المرجوّة. فهل يمكن للثورات المخملية أن تقلب هذه المعادلة وتحسم هذا النقاش؟ أم هل تبقى الثورات إشكالية بجوهرها، ويبقى الإصلاح، عند البعض، الآلية الأمثل للتغيير الاجتماعي والسياسي؟

ابن خلدون: الثورات هي الثورات، وبعض إشكاليتها الأساسية لا تختلف وإن اختلفت الوسائل المعتمدة. والإشكالية الأساسية التي تبقى مع اختلاف المنهج الثوري هو عدم قدرة الثورات على تحقيق الكثير من الآمال والتوقّعات المبنية عليها. ومع ذلك، فلا شك أن لنبذ العنف الثوري دور كبير في الحفاظ على قدر كاف من اللحمة الاجتماعية لمنع انهيار الدولة والمجتمع، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير، وفيه انتصار كاف لمبدأ الثورة السلمية، أو المخملية، أو الياسيمنية.

أما فيما يتعلّق بالدور التاريخي للثورات، وضرورته، حتميته ووقعه وعلاقته بتقدم أو تأخّر مسيرة التقدم الإنساني، فهذا سؤال عويص، لكني أميل إلى الاعتقاد بضرورة الثورة في وجه الظلم، وربما بغض النظر عن الثمن اللحظي والنتائج المباشرة، بل والوسائل المستخدمة، الجمود الاجتماعي والاستكانة إلى الواقع الراهن أكثر ضرراً من أي ثورة، حتى وإن كانت عنفية الطابع. الاستكانة الاجتماعية موت ثقافي وحضاري، أما الثورة فعلامة مخاض.

الفارابي: الثورات تحلّ مشكلة واحدة فقط: مشكلة الجمود السياسي والاجتماعي. لكنها وفي أحسن الأحوال، لا تشكّل إلاّ بداية لحل المشكلات الأخرى، خاصة التنموية منها.

الكندي: كل حركة للتغيير الاجتماعي عرضة للتلاعب من قبل حفنات الوصوليين المتناثرة في كل طبقات المجتمع، ولا شكّ في أن الثورات، بسبب طبيعتها الحركية المتسارعة والمعقّدة والشائكة، أكثر عرضة لتلاعب الوصوليين وتكالبهم على المكاسب المحتملة. لكن لا ينبغي لهذا أن يشكّل حاجزاً أمام اللجوء إلى الثورات إذا كان حجم التغيير المرغوب والجمود الذي ينبغي كسره أكبر من أن تتمكن مطالبات بسيطة بالاصلاح أن تحقّقه إذا ما تمت الاستجابة لها. كل الثورات التاريخية كانت ضرورية وإلاّ لما حدثت. بالفعل، لا وجود في التاريخ لثورات عبثية، فالشعوب لا تتحرّك عبثاً، بل تتحرّك فقط عندما لا يكون هناك مناص. وإلاّ لوقعت الثورات كل يوم، ولأفنت الإنسانية نفسها منذ آلاف السنين. العبثية من شيم الأفراد. وربما تلوِّث العبثية بعض الأحداث الجمعية أيضاً، ولكن في لحظات ومواقف معينة فقط: أي قد تطرأ بعض الأحداث العبثية الطابع في ثورة ما، لكن هذا لا يعني أن الثورة كلها عبثية.

ابن سينا: الثورات ضرورة على عبثية بعض التطورات المتعلّقة بها. المشكلة الحقيقية تكمن في العنف. والعنف، كما أثبت لنا العصر الجديد، ليس ضرورة ولا شرطاً لقيام الثورات ونجاحها، وهذا هو بيت القصيد. إن من كرهوا الثورات كرهوها لعنفها، فإذا ما تمّ تحييد العنف وعزله، زالت الغالبية العظمى من اعتراضاتهم على الثورة. الثورة اللاعنفية هي الوسيلة التي يمكن من خلالها جني مكاسب أكبر من تلك المرتبطة بالثورات التقليدية، وهي النموذج المطلوب احتذائه اليوم.