خلافاً للاعتقاد السائد بين الناس، أثبتت التجربة التاريخية مراراً وتكراراً أن الشعوب حكيمة وعقلانية بطبعها، وأن عقلية القطيع التي لا تكفّ بعض النخب من التحذير منها، أو محاولة استغلالها، لا تحرّك الجماهير إلا في لحظات نادرة وتحت ظروف خاصة واستثنائية، والواقع أن الحضارة الإنسانية ككل ما كانت لتقوم لولا الحكمة الكامنة عند الشعوب والتي تحكم حياتها اليومية خاصة. ولا يمكن للشعوب في الحقيقة أن تتبنى الخيارات التي تنطوي على تحدي الواقع الراهن الذي تعيشه، وحالة الاستقرار الموجودة فيه، على مرارتها، إلا بعد فترة محاكمة طويلة وعقلانية للأمور، وبعد مرحلة طويلة من دراسة الخيارات المختلفة المتاحة. وتجري هذه المحاكمة من خلال تراكمات طويلة للأحاديث اليومية المختلفة لملايين البشر المؤلفة لشعب ما، والتي لن تؤدي بالضرورة إلى تبني الخيارات الثورية، إلا من خلال وجود مؤسسات مخطّطة ومحرّضة عميقة التغلغل في الأوساط الشعبية، تحسن بثّ رسالتها من خلال هذه الأحاديث.