قد يكون العنف خطأ بالفعل، لكن، هل الثورة خطأ هي الأخرى؟ هل أصبحت هي الأخرى مفهوماً بائداً؟ ماذا بوسعنا أن نفعل حيال الظلم والاستبداد إذاً؟ فعندما يوجد الظلم، ألا تصبح الثورة حقاً؟ بل، ألا تصبح مسؤولية؟ مسؤولية للمواطن تجاه وطنه؟ وللوالد تجاه ولده؟ وللإنسان تجاه إنسانيته؟
قلت: العنف الثوري هو الذي ينبغي أن يضحى مفهوماً بائداً، لكن الثورة في وجه الظلم الممنهج ما تزال حقاً وواجباً. فلتكن ثورتنا ثورة ياسمين إذاً.
حوار
قال: فلتكن ثورتنا مهما كانت، عنفية أو مخملية، المهم أن ننتفض وننفض عنا غبار الموت الكالح الذي يغطينا، نحن بحاجة إلى أن نعود إلى التاريخ من جديد، إلى أن نشارك في إدارة دفته من جديد، كفى بنا وقوداً له.
قلت: بالذات، لكي لا نكون وقوداً للتاريخ علينا أن نختار أساليبنا بعناية بالغة، وأن لا نفقد الصبر. علينا تفادي الوقوع في فخ الاستماع للسلطة وهي تقودنا من مواجهة خارجية إلى أخرى، وعلينا أن نتحاشى الوقوع في فخ التسرّع والعنف والدخول في مواجهات بوسعها أن تقدم الأعذار للسطات للاستمرار في القهر، أو تمهّد الدرب إلى مواجهات فئوية يمكن لها أن تؤدي إلى شرذمة الدولة وتمزيقها.
قال: لا أريد أن أكون سوقياً، لكن هناك حكمة ما صعبة ولكن واقعية في المقولة الشعبية “إذا ما خربت، ما بتعمر.” والتغيير بطبيعته يتطلّب قدراً ما من الخراب، بل الخراب المقصود، أي التخريب.
قلت: هل من الضروري للخراب أن يحدث بالمعنى العنفي المادي؟ وهل إذا ما سلمنا أن لا مفرّ من الخراب، بل وشيئ من العنف ونحن في صدد التغيير، يعني تسليمنا هذا أن نسعى إلى الخراب، بل التخريب بأيدينا؟ نحن بحاجة إلى تفادي كل ما يمكن أن يؤدي إلى التخريب المتعمّد لأن الثمن أكبر مما نعتقد. على أساليبنا أن تتوافق مع المبادئ التي ندعو إليها وإلاّ خرجت الأمور عن سيطرة الجميع، وكنا نحن الخاسر الأكبر، الأطراف الأخرى من متشدّدين وأنظمة أقدر منا وأعرق فيما يتعلّق بالتخريب.
قال: أنا طبعاً لا قلت بأن علينا أن نؤيّد العنف ونمارسه، لكني قلت بأن عملية التغيير القادمة ستفرزه، شئنا أم أبينا، وأن خوفنا من هذا وتنبؤنا به، لا يجب أن يمنعانا من المضي قدماً على درب التغيير. فللتغيير ثمن لا بد لنا من دفعه، لأنه، ومهما بدا فادحاً للوهلة الأولى، يبقى أفضل من الوضع الراهن، على المدى الطويل على الأقل. ولاشكّ عندي بأن قوى التطرّف والأنظمة الموجودة هي أقدر منا على ممارسة العنف، ومن أجل هذا، فهذه القوى ستفرض العنف على الساحة من أجل إخافتنا. لهذا، لابد من الاستعداد للعنف، ولا بد من دفع عجلة التغيير حتى في وجه أولئك الذين نعرف يقيناً بأنهم سيلجأون إليه، مع الاصرار طبعاً على أن تبقى وسائلنا نحن بالذات لاعنفية، وأن نمضي على درب الساتياجراها (اللاعنف) التي جاء بها غاندي.