حلال على الشاطر

مهما بدت الظروف التي نمر بها اليوم مشابهة لما كانت عليه الأوضاع بالأمس القريب، تبقى العودة إلى الوراء أمراً مستحيلاً، وتبقى محاولة استنساخ الماضي محاولة يائسة لمنع تحولات لم يعد بوسعنا وقفها مهما حاولنا، وللامتناع عن دفع مستحقات طال تأجيلها، وتكاثر المطالبون بها. وهاهو المستقبل الذي طال انتظاره يدق على أبوابنا، بل هو على وشك تحطيمها، والخيار الحقيقي أمامنا، ليس خيار المقاومة والممانعة، بل خيار المشاركة ومحاولة الإمساك بزمام المبادرة ما أمكن.

إن عملية التغيير تخلق أزمة في ذات الوقت الذي توجد فيه فرصة، و “الشاطر” الحقيقي هنا هو الذي يحسن إدارة الأمور بطريقة تسمح له ليس فقط بتقليل وتحجيم الخسائر، بل بتحقيق بعض المكاسب الهامة أيضاً. وإذا ما كانت الأنظمة تبدو وكأنها في موقع يسمح لها باستغلال الفرصة أكثر من معارضيها، بسبب إمساكها بالكثير من مفاتيح اللعبة، وتحكمها بالأموال والمؤسسات والموارد، تبقى هناك ساحات معينة تنتفي فيها أهمية هذه الأمور، وتتساوى فيها فرص جميع الأطراف، ألا وهي الساحات الفكرية، لأنه فقط من خلال هذه الساحات يمكن لنا رسم الرؤى المناسبة لتحفيز وتحريض الجماهير الأوسع. وحلال على الشاطر.

ديموقراطية الجهل أفضل

يقول مثقفونا بأن شعوبنا جاهلة وبحاجة إلى تثقيف ورعاية، لكن مشكلتنا أن مثقفينا أنفسهم وقفوا بلا حول ولاقوة في معظم الأحيان أمام تسلّط مجموعة من النخب الفاسدة لا تقل جهلاً في الواقع عن شعوبنا، وإن اختلفت عنها، كمياً على الأقل، في تعطّشها للثأر وإثراء الذات. والأنكى هنا أن الكثير من مثقّفينا ومتعلّمينا باعوا ضمائرهم وباتوا شركاء لهذه النخب!

ألم يأن، والحال كما نرى، أوان البحث عن بدائل أخرى تفسح المجال لهذه الشعوب الجاهلة أن تجرب حظها في إدارة شؤونها بنفسها، بلا وصاية من أحد؟ فمن يدري، ربما تثبت لنا الأيام أن ديموقراطية الجهل خير من ديكتاتورية العلم.

البداية: من الداخل

لا يمكننا أن نتحرر قبل أن ننجح في تمزيق الطبقة الأولى من الظلم التي تواجهنا؟ لا يمكن لنا أن نهرب من استحقاقات المواجهة الداخلية إذا ما أردنا فعلاً أن نكون أحراراً؟ لا يمكن لنا أن نحمي أنفسنا ونصون كرامتنا ضد الاعتداءات الخارجية طالما بقينا عبيداً لطغاة الداخل؟ إن الذين ينذرون أنفسهم للنضال ضد الخارج في الوقت الذي ترزح فيه مجتمعاتهم تحت نير الاستبداد، لا يزيدون عن كونهم أداة تفاوض وتساوم ما بين الأنظمة الحاكمة والقوى الخارجية. إلى متى نبقى مضلّلين؟