لماذا كلّما طالبنا بالتغيير قيل لنا: “ليس هذا هو الوقت المناسب”؟ متى يأتي الوقت المناسب؟ بل هل هناك وقت مناسب؟
فيما يتعلّق بمن أسّسوا وجودهم على استغلال الوضع الراهن، بكلّ ما فيه من أخطاء بل لما فيه من أخطاء، يبدو من الواضح أن الوقت المناسب لن يأتي أبداً، وأن التغيير الوحيد الذي يمكن أن يهتمّوا به هو التغيير الذي يكرّس لقبضتهم على السلطة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) ويزيد من مكاسبهم. أما فيما يتعلّق بعامة الشعب، فالرغبة في التغيير تصطدم دائماً بحاجز كبير من الخوف، ليس فقط الخوف من المجهول، بل الخوف من المعلوم أيضاً، ألا وهو القمع الذي لا بدّ وأن يواجه كل محاولة جادة للتغيير ولا بدّ وأن ينال كلّ الناشطين في سبيل التغيير.
السؤال الحقيقي إذاً لا علاقة له بمتى، فمتى هي دائماً الآن، إذ لا بدّ من الاعداد لمواجهة الأخطاء في لحظة العلم بها. السؤال الحقيقي يتعلّق بكيف: كيف نغيّر؟ كيف نرفض؟ كيف نبدأ؟ كيف نكسر حاجز الخوف؟ كيف نتعامل مع القمع؟ كيف نتحاشى الوقوع في فخ ودوامة العنف والعنف المضاد؟ هذه هي الأسئلة التي لا بدّ أن نطرحها هنا.
حوار
قال: يخيّل إليّ أن علينا أن نكسر حاجز الجهل أولاً، ومن ثم حاجز الخوف. إذ طالما بقي الناس جاهلين فيما يتعلّق بكيفية تأثير القمع على حياتهم، وكيفية تسهيل صمتهم وتخاذلهم لعملية استعبادهم واستغلالهم، لن تنفع أية محاولة لتحريضهم على الثورة. التوعية أولاً، ثم التحريض، ثم الثورة.
قلت: أعتقد أن الجهل والخوف هما وجهان لعملية واحدة. وأعتقد أن التحريض هو نوع من أنواع التوعية، والعكس بالعكس. ومع ذلك، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هنا أن الجهلاء يثورون أيضاً، وإن بعد حين. لكنا هنا نتكلّم عن نوع معين من الثورات، ثورات تبني أكثر بكثير مما تهدم، وتحيي أكثر مما تميت. إنها ثورات ياسمين وليست ثورات دم. ولهذه الثورات متطلّبات وآليات تختلف جذرياً عن تلك التي تتطلّبها الثورات الدموية. من هذا المنطلق، علينا أن نشدّد أيما تشديد على كسر حاجز الخوف والجهل معاً وليس تباعاً، إن أسعفنا الوقت طبعاً، وإلا فالثورات الدموية والحروب هي التي ستفرض نفسها علينا جميعاً، مهما بدا هذا التطور مستبعداً من وجهة نظر البعض.