الثورات لا تنبت على الأشجار. ولا تندلع تلقائياً أو عفوياً، هناك دائماً فترة تهيئة مقصودة تسبق كل ثورة، تتطلب وجود مراكز تخطيط، وعمليات تحريض، وشبكات تنفيذ. الثورات، سواء كانت مخملية أو عنفية، صناعة متكاملة، ولايمكن للنخب التي تشكّك بقدرات شعبها على الثورة أن تبدع في هذا المجال، كما لايمكن للنخب التي تحتقر شعوبها، أو تتخوف منهم ولا تحسن التواصل معهم أن تنجح في قيادة الثورات.
Month: November 2008
مدونة “رسائل مقتضبة” – 8 تشرين الثاني، 2008
الثورات لا تنبت على الأشجار. ولا تندلع تلقائياً أو عفوياً، هناك دائماً فترة تهيئة مقصودة تسبق كل ثورة، تتطلب وجود مراكز تخطيط، وعمليات تحريض، وشبكات تنفيذ. الثورات، سواء كانت مخملية أو عنفية، صناعة متكاملة، ولايمكن للنخب التي تشكّك بقدرات شعبها على الثورة أن تبدع في هذا المجال، كما لايمكن للنخب التي تحتقر شعوبها، أو تتخوف منهم ولا تحسن التواصل معهم أن تنجح في قيادة الثورات.ـ
الشعوب “الجاهلة” ليست مهيئة للديموقراطية
حقاً؟ وماذا عن الهند مثلاً، بنظامها الطبقي المخيف، وارتفاع معدلات الأمية والفقر فيها؟ بل ماذا عن أميركا ذاتها والتي يشتهر شعبها بجهله بالثقافات الأخرى؟ في الحقيقة، علمتنا التجربة أن الأنظمة الديموقراطية لا تقوم على المعرفة النظرية بقدر ما تقوم على احترام الحقوق وعدالة القوانين والاصرار على التداول السلمي للسلطة ومن خلال الانتخابات الدورية المفتوحة والمراقبة شعبياً. ولا يمكن للشعوب أن تتعلم معنى هذه الأمور إلا من خلال الممارسة العملية، مهما كانت صعبة ومحفوفة بالمخاطر.
شعوب خاملة أم شعوب مهملة؟
هناك اعتقاد فيما يتعلق بشعوب الشرق الأوسط ما يزال يجد قبولاً واسعاً في الكثير من الدوائر الأكاديمية في الغرب، هذا إن لم نقل أنه يجد انتعاشاً جديداً هذه الأيام، ذلك علاوة على قبوله المستمر كإحدى المسلّمات النادرة التي يعتنقها معظم مثقفي الشرق الأوسط، ألا هو الاعتقاد بعدم جاهزية الشعوب الشرقأوسطية، ثقافياً وحضارياً، للقيام بثورات شعبية ضد أنظمتها الحاكمة، مهما غالت هذه الأنظمة في ظلمها وفسادها، ومهما تفاقمت أزماتها السياسية والاقتصادية. إن مشكلة هذا الاعتقاد الجوهرية لا تكمن في عنصريته أو فوقيته أو عنجهيته وحسب، بل كذلك في عدم قيامه على أي تحليل علمي حقيقي للظاهرة قيد “البحث.” إذ يكتفي معتنقو هذه النظرية بالتنويه إلى غياب الثورات الشعبية عن واقعنا السياسي في العقود الماضية لإثبات نظريتهم، قبل أن ينتقلوا إلى سرد ممجّ لبعض المبررات المتخيلة لها، مثل الدور السلبي لرجال الدين وللفكر الديني في مجتمعاتنا عموماً، والنشاطات التفتيتية للأنظمة الحاكمة، والانتهاك المستمر لحرمات السيادة والكرامة الوطنية من قبل القوى الخارجية، إلى غير ما هنالك.