لاقيدَ إلّا قيدُ المعرفة، ولاإكراهَ إلّا إكراهُ الضمير.
نعم، الهرطقة حقّ وحريّة. من الصعب على الكثير منّا استيعاب هذه العبارة، لكنها بالنسبة لي أصدق ما يمكن أن أقول. حرية التعبير، حرية الضمير، حرية الرأي… مصطلحات مختلفة هدفها الأساسي إيصالنا إلى هذه الحقيقة. من حقّنا أن نختلف مع المبادئ والمُثُل والتقاليد التي نشأنا عليها. فما لم يكن لنا الحقّ في ذلك، ما معنى الحرية؟ ولو أُعطينا هذا الحق بشروط يضعها آخرون، فهل هذه هي الحرية؟ ألم يكن محمد والصحابة هراطقة حسب معتقدات قريش؟ ألم يكن الانتقاد الأساسي الذي وجّهه هؤلاء لقومهم هو اتباعهم الأعمى للتقاليد؟ فكيف يتم إجبارنا باسمهم على اتباع أعمى للتقاليد؟ وإذا كان من حقنا أن نناقش ونحلّل بحرية، أليس من حقّنا إذن أن نخلص إلى نتائج مختلفة، ونصوغ قناعات مختلفة؟ أي أليس من حقّنا أن نهرطق، بل وأن نكفر أيضاً، دون أن ينتقص ذلك من إنسانيتنا وحقوقنا الأساسية من شيء؟
في هذه اللوحة لويليام بليك William Blake المرسومة بالألوان المائية في طبعة قديمة لكتاب دانتي أليجييري Dante Alighieri الشهير، الكوميديا الإلهية، نرى نبي الإسلام محمد يُعذّب في نار جهنم بتهمة… الهرطقة. (نسخة جامعة شيكاغو)
لكن، ليس من حقّ أحد أن يفرض حقيقته، أو هرطوقته، على الآخرين. فمن يؤمن بحق المرء في الهرطقة يرفض وضع القيود على العقول والضمائر. وكل كتاباتي في الواقع، على قلّتها، ما جاءت إلا تعبيراً عن هذه الحقيقة وانتصاراً لها.
نعم هذه حقيقتي، وهرطوقتي، لن أفرضها على أحد، ولن أحتاج إلى ذلك، لأنها تسع الجميع. وكل ما بوسعي أن أرجوه، وأدعو إليه، هو أن تسعني حقائق وهرطوقات الآخرين، فدون ذلك رفض ونضال.
زندقتي
الوعيُ أَلهَم، والضميرُ أَمَر.
لا يمكن أن أكون أبداً واحداً من أولئك الذين احترفوا العيش في قفص وألفوها إلى درجة العبادة والاعتناق، فكيف لي إذن أن أشاركهم إيمانهم أو أتحرّج إذا ما وصموني بالكفر؟ بل سجّل أني كافر لأني أولاً وأخيراً حرّ، وأصرّ على حريتي.
ولا يمكن أن أكون أبداً من الذين رضوا بالقليل أو بالكثير على حساب كل مبدأ وكل حافز على الإبداع، فتحوّلوا بذلك من بشر إلى عَلَق، فكيف لي أن أحزن إذن عندما ينعتوني بالخيانة؟ بل سجّل أني خائن لأني لا أرضى إلاّ بضميري حكماً، وإن جانبني الصواب أحياناً.
منمنمة للفنان الهندي المغولي أمير نجم الدين الدحلاوي من القرن السابع عشر تظهر إعدام الشيخ الصوفي الشهير، الحسين بن منصور بن محمى الملقب بالحلاج في بغداد في عام 922 ميلادية
نعم، سجّل بأني “كافر” و “خائن،” لأني لن أعترف أبداً بقداسة التخرّص على حساب الإنسانية، وأولوية الإنتماء إلى أيّ شيء على حساب إنتمائي إلى إنسانيتي؟ الحرية بالنسبة لي هي في المقام الأول حرية من الخوف. لذا، ومهما بلغ بي التعاطف، لا يمكنني أن أشعر بالانتماء إلى وطن قائم على الخوف، وإلى شعب يسمح لنفسه بأن يصطلي بنار الخوف ويتبع الجلاّد إلى ما بعد الهاوية خوفاً من مواجهة الخوف.
هل فهمتم الآن معنى زندقتي؟
لاقيدَ إلّا قيدُ المعرفة، ولاإكراهَ إلّا إكراهُ الضمير.
هذا الموقع عبارة عن أرشيف لكتاباتي باللغة العربية ما خلا الأدبي منها، بما ذلك ما نشر بالصحف العربية وما نشر عبر مدوناتي العربية السابقة منذ بداية نشاطي الإعلامي في مطلع 2000، وانتهاءاً ببداية شهر أيلول 2015. للإطلاع على كتاباتي الأحدث يرجى زيارة مدونة “هرطقة.”
عبر السنين، وإلى جانب مدونتي الإنكليزية الأساسية “أمارجي: مدونة مهرطق،” قمت بإنشاء عدة مدونات باللغة العربية، منها: زندقة (2006)، وثورة الياسمين (2006-2007)، وأقوال وأفكار (2006)، وتقاسيم (2006)، ورسائل مقتضبة (2009-2010). لكن، وابتداءاً من عام 2009، قمت بالتركيز على صفحتي على الفيسبوك كوسيلتي الأساسية للتخاطب باللغة العربية، قبل إطلاقي لمدونة هرطقة.
أولى مدوناتي العربية كانت مدونة “زندقة” التي أطلقتها في آب 2006 تحت شعار “عربة التقدم تدفعها الزندقة.” استمرت المدونة حتى مطلع 2007، وتضمّنت مداخلات خاصة وترجمات لبعض المداخلات والنقاشات التي جرت بالإنكليزية على صفحات مدونتي “أمارجي.”
بعد ذلك، انتقلت للتواصل عبر مدونة “ثورة الياسمين” التي أطلقت في تشرين الأول 2006 تحت شعار “التغيير الديموقراطي في سوريا ممكن وضروري” واستمرت حتى نيسان 2007. الحوارات التي جرت على هذه المدونة كانت حوارات شكلية هدفها توضيح النقطة، ففي معظم الأحيان كنت أحاور نفسي مستخدماً أسماءاً مختلفة. لكن، في بعض النقاشات تدخّل أحد متابعي المدونة في الحوار أيضاً مستخدماً اسماً مستعاراً. لذلك، لم أنوّه أدناه إلى الأسماء، واكتفيت بـ “قال” و “قلت.”
طبعاً كنت أتكلّم في المدونة عن ثورة ياسمين أي ثورة لاعنفية، وهو الأمر الذي تحقّق في بدايات الثورة، ولقد جاء المنحى العسكري الذي فرضه علينا قمع النظام الشديد للثورة وخذلان العالم لنا كتحوّل منطقي للصيرورة الثورية كنت أرجو أن نتحاشاه، بل أني حذّرت من الانجرار ورائه كثيراً في المدونة. لكن قمع النظام، وتنصّل المجتمع الدولي من مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وافتقار المعارضة للشخصيات القادرة على القيادة الأخلاقية اجتمعت كلها لتساهم في تحويل الثورة من ثورة ياسمين إلى صراع مسلّح. ولامفرّ لنا في هذه المرحلة من الاستمرار في وجه الوحشية حتى نتحصّل على الحرية، لأنا أيّ انكفاء وتراجع في وجه القمع سيأتي كمكافأة له ومبرّر مسبّق لقمع مستقبلي في حال لجأنا إلى الاحتجاج من جديد.
ومع ذلك، علينا أن لاننسى كيف كانت البداية لكي نتمكّن في وقت قريب من استرجاع روحها ومُثُلَها. وفي محاولة لتوضيح شعار “ثورة الياسمين،” كتبت في ذلك الوقت أن الهدف هو “البحث عن ثروة من المعنى، والحرية، والإبداع، والسلام في عالم مليء بالعنف، والرفض، والحقد، والكراهية لكلّ ما نمثّله من قيم ومبادئ إنسانية… لكنها ممكنة، مع ذلك، هذه الثورة التي نرجو، علاوة على كونها ضرورية.”
في نفس الفترة الزمنية التي الذي قمت فيها بنشر خواطري على مدونة “ثورة الياسمين،” قمت أيضاً بالعمل على مدونة مختلفة ومكمّلة في آن هي مدونة “أقوال وأفكار” والتي أطلقتها تحت شعار “سجالات معاصرة بروح تنوّر قديم.” لكن، كانت لي في هذه المدوّنة سياسة مختلفة، فالحوار فيها دار حول أقوالٍ لمفكرين عالميين معروفين، لكن الحوار بحد ذاته كان شكلياً أيضاً، أي قمت بمحاورة نفسي هنا أيضاً مستخدماً أسماء لفلاسفة معروفين من التاريخ الإسلامي كنوع من الدعوة غير المباشرة إلى إحياء نهجهم الفكري الأكثر انفتاحاً في تحليل الأمور.
وفي نفس الفترة أيضاً، أطلقت مدونة “تقاسيم” للتعامل مع القضايا المتعلقّة بالمتغيرات الدولية والإقليمية من وجهة نظري الخاصة كناشط ليبرالي في مجال الدمقرطة.
ثم جاء دور “رسائل مقتضبة” – مجموعة من التعليقات الموجزة قمت بنشرها على صفحات موقع “الناخب السوري” في الفترة الواقعة ما بين تشرين الأول 2008، وأيلول 2010.
ثم جاء دور الفيسبوك الذي لم أنشط عليه كما يجب حتى منتصف 2009.
على صفحات هذا الموقع الجديد، بوسعنا أن نجد كل الكتابات التي سبق ونشرتها على مدوناتي أعلاه. لكن، وللتوثيق، يمكن الإطلاع على المدونات على المواقع الأصلية لها على الروابط التالية: زندقة، ثورة الياسمين، أقوال وأفكار، تقاسيم، رسائل مقتضبة.